ارتأت غالبية غير كبيرة من المشاركين في استفتاء "إيلاف" الإسبوعي أن وفاة خليفة الإمام الخميني المعزول حسين علي منتظري السبت 19 كانون الأول عن 87 عاماً، تعزز قوة المعارضة التي تتحدى السلطات الإيرانية المحافظة في شوارع إيران، وكان أصحاب هذا الرأي 408 مشاركاً من أصل 1102 أي ما نسبته 37.02 في المئة من المشاركين، في حين اعتبر 340 مشاركا أي 30.85 في المئة أن رحيل منتظري يضعف المعارضة التي تتعرض لعملية قمع منهجي، وقال 354 مشاركاً أي 32.12 في المئة إن غياب منتظري لا يؤثر في مسار الصراع المستمر بين السلطات والمعارضة منذ الإنتخابات الرئاسية في إيران في حزيران / يونيو
بدا واضحا أن تشييع منتظري سيكون الشرارة لتفجير المواجهات مجددا لأن "المعارضة الخضراء" المؤيدة لمير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين خسرا في الإنتخابات أمام الرئيس محمود أحمدي نجاد كانت قد اتخذت قرارا باستغلال أي مناسبة دينية أم شعبية لإظهار أن المعركة لم تنته وأن المعارضة لم تقبل بالأمر الواقع المفروض بالقوة.
عن هذا الموضوع قال الباحث في "معهد واشنطن" مهدي خلجي إن "الموجة الخضراء"، باعتبارها حركة لامركزية ، أصبحت في وضع يؤهلها تحدي الحكومة باستخدامها الطقوس الدينية التي تقام خلال شهري محرم وصفر. ومن وجهة نظر الحكومة، فإن قيامها بتصعيد المواجهة ضد المشهد الإجتماعي المفعم بالحيوية من شأنه أن يثبت بأنه مرهق إلى حد الإعياء.
إن المساجد والمنازل في جميع المدن والقرى تقريباً التي يعيش فيها الشيعة، تشكل مراكز محتملة لقيام حركة مدنية وديمقراطية معارضة للحكومة. وبعد كل شيء، فقد استخدم الإيرانيون هذا الأسلوب نفسه خلال السنوات التي سبقت الثورة في عهد الشاه. وقد لعبت مشاركة الملايين في هذه الطقوس، بمن فيهم العديد من الذين لم يمارسوا عادة دينهم، دوراً رئيسياً في إسقاط نظام الشاه قبل ثلاثة عقود. واليوم، بإمكان رجال الدين ذوي الرتب المنخفضة أيضاً والذين يؤيدون الحركة الخضراء أن يلعبوا دوراً هاماً عن طريق سماحهم للشعب بتسييس المراسيم وتحويلها إلى تجمعات للمعارضة. وكان منتظري أعلن في أحد آخر بياناته إن "الجمهورية الإسلامية ليست إسلامية أو جمهورية، بل هي حكومة عسكرية".
ومن هذه الزاوية ارتأى خلجي إن استخدام "الحركة الخضراء" الأشهر محرم وصفر لأهدافها السياسية يمكن أن يكون له تأثير هائل على المؤهلات الدينية والشرعية للنظام. وإذا كانت الحكومة تتجنب العنف انطلاقاً من احترام القيم الدينية للأشهر محرم وصفر، فإن ذلك قد يعني قيام تحديات علنية لأسس إيديولوجية الجمهورية الإسلامية خلال هذين الشهرين. ولكن إذا ما اتخذت الحكومة إجراءات مشددة ضد المظاهر الدينية- وهذا ما فعلته عملياً- فإن الاستياء ضد الجمهورية الإسلامية يمكن أن يزداد بدرجة كبيرة.
ولكن لا بد من الإعتراف ، على غرار ما ذهبت إليه أسبوعية "غيرت ملي" (الشرف الوطني) بأن الإصلاحيين والمعارضين فقدوا اكبر مظلة دينية لهم على الإطلاق، ويبدو ان ليس هناك اي مرجع ديني يستطيع في الواقع ملء فراغ اية الله منتظري في الظروف الراهنة. فمنتظري كان أعلى مرتبة في الفقه من اي مرجع ديني داخل ايران، وهو المرجع الوحيد الذي تمسك باستقلاله عن الدولة بعد وفاة الإمام بروجردي وحتى وفاته.
وكان منتظري قد اختير نائباً او خليفة للمرشد السابق الإمام الخميني، اي انه كان يحق له منصب المرشد العام لو انه سكت لمدة عام فقط وساوم النظام، الا انه أبى ذلك واعلن اعتراضاته الشديدة على قتل آلاف من السجناء السياسيين بعد انتهاء الحرب مع العراق، وهو القرار الذي دفع الإمام الخميني الى عزل منتظري من منصبه، وبعد ذلك اصدر المرشد خامنئي قرارا بسجن منتظري في منزله في قم لمدة 7 أعوام بسبب تصريح علني وصريح له من ان خامنئي ليس مرجعاً دينياً ولا يحق له شرعاً ولا قانوناً ان يكون ولياً للفقيه او مرشداً عاماً.
وظل منتظري المرجع الديني الوحيد والجريء الذي اعترض على سياسة النظام وندد بالقمع والإرهاب، وحتى انه اعتبر النظام الحالي خارجاً عن الشرع وعن الدستور. وكان المرشد خامنئي أصدر بيانا اعترف فيه بمكانة منتظري الفقهية والشعبية، لكنه طلب من الله ان يغفر له مساوئه التي قام بها في الأعوام الأخيرة! وهي المساوئ التي في الواقع كانت أفعاله ومواقفه الدفاعية عن حقوق المواطنين وعدم مساومته للنظام. وحسب قول الشيخ منتظري انه اشترى الآخرة من خلال هذه المواقف ورفض التملق للنظام وأدان بشدة تزوير الانتخابات وسخر من اعتراض أركان النظام على تمزيق صور الامام الخميني واصفاً اياه بانه ليس معصوماً وان الخميني نفسه لم يدعّ ذلك.
الشيخ منتظري رحل عن الساحة، لكن طريقه ونهجه وفكره سوف تبقى وربما أعطى قوى المعارضة المزيد من الزخم والديمومة للاعتراض على ما يصفوه بالاستبداد والدكتاتورية للنظام الحاكم.